معنى الايمان :
فالذي عبرنا عنه أنفا " في الجزأ الاول : حاجة الانسان الى العلم واليقين للطاعة " بالعلم والمعرفة واليقين هو " الايمان " وذلك هو معنى كلمة الايمان بعينه .
فكل من عرف توحيد الله وصفاته الحقيقية وقانونه ومجازاته لعباده على اعمالهم يوم القيامة ، ثم كان موقنا بكل ذلك من قرارة نفسه ، هو " المؤمن "
ومن نتائج الايمان ان يكون الانسان مسلما اي مطيعا لله ومتبعا لقانونه.
ولعلك قد عرفت من هذا بنفسك ان الانسان لا يمكن ان يكون مسشلما الا اذا كان مؤمنا.
فصلة الايمان بالاسلام كصلة البذرة بالشجرة، فانه لا تنبت الشجرة الا بالبذرة وان كان من الممكن ان يلقي البذر في الارض فلا تنبت الشجرة او تنبت ولكن بشئ من النقص اما لكون الارض مجدبة او لشئ من الفساد في الجو.
فكذلك لا يمكن ان يكون الانسان مسلما الا اذا لم يكن الايمان في قلبه وان كان من الممكن ان يكون الايمان في قلبه ثم لا يكون اسلامه كاملا ، اما لضعف في عزمه او لنقص في تعليمه وتربيته ، او تأثير بيئته .
فاذا عرفت هذا ، فاعلم ان الانسان على اربع درجات باعتبار هذين الاصلين : الايمان والاسلام :
1- الذين يؤمنون بالله ايمانا يجعلهم مطيعين له ، متبعين لاحكامه اتباعا كاملا ، يحذرون ما قد نهى عنه كما يحذر الانسان من امساك جمرة متقدة من النار في يده ويسارعون الى العمل بما فيه رضاه كما يسارع الانسان الى كسب الاموال فهؤلاء هم المؤمنون حقا .
2- الذين يؤمنون بالله ، ولكن لا يجعلهم ايمانهم مطيعين له متبعين لاحكامه اتباعا كاملا فهؤلاء وان كان ايمانهم لم يبلغ درجة الكمال ولكنهم مسلمون على اي حال ، يعاقبون بقدر معاصيهم كأنهم بمنزلة المجرمين وليسوا بمنزلة البغاة المتمردين لأنهم يعترفون بالملك بملكه ويخضعون لقانونه .
3- الذين لا يؤمنون بالله ، ولكنك تراهم ظاهرا يأتون بأعمال تشابه أعمال المسلمين فهم البغاة في حقيقة الامر و اما اعمالهم التي تراها صالحة في الظاهر فليست بطاعة لله ولا اتباعه لقانونه فلا عبرة بها . ومثلهم كمثل رجل لا يعترف للملك بملكه و لا يخضع لقانونه فاذا صدرت عنه بعض اعمال لا تخالف قانون الملك لا يحكم عليه بكونه وفيا للملك سبحانه ومطيعا لقانونه بل هو عاص لأمره خارج على قانونه .
4- الذين لا يؤمنون بالله ، و يأتون باعمل سيئة مخالفة لأحكامه وقانونه ، فهم شر الناس بغاة مفسدون .
فالظاهر من هذه القسمة ان الايمان هو الذي ينحصر فيه نجاح الانسان وسعادته في الدنيا والاخرة ، و لا يتولد الاسلام – كاملا او ناقصا – الا من بذر الايمان .
فحيث لا يكون الايمان يكون الكفر والكفر هو ضد الاسلام ، اي الخروج على امر الله تعالى باختلاف درجاته.
من كتاب مبادئ الاسلام لأبي الأعلى المودودي
ولا تنسوني من صالح دعائكم بظهر الغيب